أهربي إلى الطبيعة بعد التقاعد وأطلقي مشروعك الزراعي
بقلم : دلال عبدالرزاق مدوه
تكشف مجموعة متزايدة من الدراسات عن أهمية الاتصال بالطبيعة للصحة الجسدية والنفسية والعقلية، في ظل ضغوط الحياة المعاصرة المتزايدة، والعزلة الاجتماعية.
حيث وجدت دراسة في جامعة ستانفورد ، أن المشي في الطبيعة يؤدي إلى فوائد عقلية ملموسة، كما أنها تقلل بصورة كبيرة من خطر الإصابة بالاكتئاب، وقد بينت الدراسة التي تمت علي مجموعتين أحدهما مجموعة سار أفرادها الذين لمدة ( 90 دقيقة) في منطقة عشبية بها مجموعة من الأشجار، والمجموعة الأخرى ساروا على نفس المسافة في شارع مزدحم.
وقد دلت النتائج بوضوح أن الذين ساروا في الطبيعة لديهم اختلاف في أدمغتهم؛ أظهر تناقص في المشاعر السلبية أقل من أولئك الذين ساروا في البيئة الحضرية.
كما حددت دراسات سابقة أن سكان المدن لديهم مخاطر أعلى بنسبة (20 %) من اضطرابات القلق و (40 %) من مخاطر الاضطرابات المزاجية مقارنة بالأشخاص في المناطق الريفية، وقد وجدت الأبحاث أن الرفاه النفسي للسكان يمكن أن يرتبط جزئيًا بوجودهم قريباً من المساحات الخضراء، والمسطحات الزرقاء (أي البيئات المائية والبحرية)، ومدى قربهم من أشجار الشوارع، أو الحدائق العامة والخاصة.
ولكن… كيف يمكن للطبيعة أن تفيد صحتي النفسية وتمنحني مزيد من السعادة والفائدة؟
يشير الخبراء والباحثين إلى أن قضاء الوقت في المساحات الخضراء، أو إدخال الطبيعة في حياتك اليومية يمكن أن يفيد صحتك العقلية والجسدية، وذلك من خلال بعض الممارسات كزراعة الخضروات أو الزهور، أو ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، مما يمنحك الكثير من التأثيرات الإيجابية مثل:
- تحسين مزاجك.
- تقليل مشاعر التوتر أو الغضب.
- تساعدك على الشعور بالاسترخاء.
- تحسين صحتك الجسدية.
- تعزيز ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك.
- تساعدك على أن تكوني أكثر نشاطًا وحيوية.
قد يهمك: التقاعد فرصة لإعادة التفكير في حياتك وفعل شيء مختلف !

الحياة في بيئة طبيعية
“إيمي ألاباستير” Aimee Alabaster مديرة لأحد كبري الشركات في مدينة أونتاريو في كندا، وكانت تحب العيش في المدينة، ولكن بعد تقاعدها من العمل، أردت القيام بشيء مختلف، وقررت شراء مزرعة، والانتقال للعيش فيها.
ومع الصبر والمثابرة، والتدريب والتعلم تدريجياً، وبمرور الأيام، أحبت إيمي الحياة في المزرعة، واستمتعت بالزراعة، والتعامل مع الخيول، ورعاية الماشية.
وبعد فترة من حياتها في المزرعة، فكرت في استثمار تجربتها الشخصية للقيام بمشروع مفيد، فقررت أن تقوم بمساعدة المتقاعدين الراغبين في الانتقال من حياة المدينة إلى العيش في الريف؛ فأنشأت مركز تدريب صغير، في أحد الحظائر الفارغة بمزرعتها، وبدأ الناس يحضرون إليها للتدريب، وتلقي الدروس عن الحياة في الريف، وكيفية إدارة المزارع، وتربية الماشية، وبعد مدة ازداد عدد المتدربين لديها من المتقاعدين الراغبين في ترك المدينة للعيش في المزارع، وبدأ بعضهم يطلب منها الإقامة في مزرعتها لفترة، من أجل التأقلم مع الحياة الريفية لحين انتهاء التدريب، وفي ذلك الوقت لم يكن لديها سكن لإقامة المتدربين.
قد يهمك: (5) قواعد مهمة لصناعة هويتك الجديدة بعد التقاعد


وهكذا جاءتها فكرة بناء خيمة ، بدلاً من كوخ، أو منزل لإقامة المتدربين، فقامت بالكثير من البحث والتعرف على تجارب البناء، والاطلاع على المصانع، والتصاميم المختلفة، وأنواع الأخشاب وجودتها، من أجل تصميم خيمة فاخرة بمستوي الأجنحة الفندقية الراقية، تتضمن كافة مزايا الفخامة في الفنادق، ولكن الفرق هو وجودها في أحضان الطبيعة، فأنشأت خيمتين لهذا الغرض، فقامت ببنائهم باستخدام عوارض وأسقف خشبية خاصة، ذات أحجام ومواصفات معينة، واستعملت أقمشة مقاومة للبلل والتسريب، وعلى قدرة عالية من احتمال الثلوج، ووضعت في كل خيمة، مدفأة وقطع نحاسية عتيقة، وقطع جلدية، لتعطي المكان الطابع الريفي، كما قامت بفرشها بأثاث خشبي صديق للبيئة مصنوع من بقايا الأشجار المحيطة بالمكان.
مقطع فيديو عن مكونات الخيمة في مزرعة إيمي
ثم أنشأت مكان خارجي للاستحمام في الهواء الطلق، لاستمتاع الضيوف بالطبيعة، ورؤية الحيوانات تتجول بحرية، وقد حرصت إيمي على أن تقوم بممارسات صديقة للبيئة في مزرعتها، لذا يتم تدوير المياه الناتجة عن الاستحمام وإعادة استخدامها في ري المزروعات، وهكذا يتم المحافظة على الماء بصورة كبيرة، وعدم إهدار أية قطرة منه بلا جدوى، لأنه مورد ثمين ومهم.
كما وضعت للضيوف والزوار جلسات خشبية خارجية، وحفرة للنار يتم استخدامها في التدفئة، والشواء في الخارج، والاستمتاع بالطبيعة المحيطة والحديث مع الآخرين، وتبادل التجارب، والقصص الممتعة والطريفة.
بالإضافة لذلك استحدثت برامج تعليمية ، وتجارب ممتعة للأطفال، حول التعامل مع حيوانات المزرعة، وتربية الكتاكيت، والزراعة، وتعليب المنتجات الزراعية… وغيرها من الفعاليات المميزة.

وقد حصلت إيمي على عدد من الجوائز التقديرية لأعمالها، ومنها جائزة أفضل شركة سياحية جديدة من “منظمة هيدووترز للسياحة” Headwaters Tourism Association عن مساهمتها في تقديم أفضل تجربة للزائر في الطبيعة والترفيه، كما تم إجراء عدد من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية معها للحديث حول تجربتها وقصة نجاحها.
مقالات ذات صلة :
- معاً نبدأ الرحلة … كياني الموقع الأول للمرأة المتقاعدة
- المراحل العاطفية الـ (5) الأكثر شيوعًا للتقاعد
- (4) خطوات مهمة من أجل تقاعد مريح
- التقاعد فرصة ذهبية للتخلص من العادات السلبية
قرار التغيير والانتقال بعد التقاعد
بدأت تجربة التغيير في حياة إيمي بتساؤل دار في ذهنها فتقول: هل سبق وأن مررت بواحدة من تلك اللحظات في حياتك، عندما تنظر فجأة إلى الصورة الكبيرة، وتتساءل ما الذي ستفعله بالفعل بحياتك؟
هذا ما حدث لي ، في إحدى ليالي الصيف قبل بضع سنوات، في ذلك الوقت كنت أمر بأسبوع مرهق في العمل، وكان لدي قائمة من المهام المتعددة تتضمن آلاف الأشياء المطلوبة مني، بدءًا من المواعيد النهائية لمتطلبات العمل، إلى القيام بتحسينات في منزلي، وتجهيز الأطفال للذهاب إلى معسكر صيفي، والتسوق لعودة المدارس، وحضور المناسبات للأهل والأصدقاء،… وغير ذلك الكثير من الالتزامات.
وتضيف إيمي: ما أدهشني هو أني كنت مشغولة للغاية، وقد بدا لي وكأنه انشغال بشيء مهم، وهذا لا يعني ذلك أن الانشغال بالعمل والأطفال والعائلة والأصدقاء والالتزامات المالية شيء غير مهم، ولكن في لمح البصر مر الوقت دون أن أشعر، وأنقضت أيام الصيف سريعاً، ويبدو أن ذلك الوقت ذهب إلى مكان بعيد عن الإلهام، أو ذو مغزى بالنسبة لي.
تلك الليلة جعلتني أفكر وأبحث عن ذاتي وأحلم بشيء كبير، وتساءلت ماذا كنت سأفعل بحياتي إذا لم تكن الشجاعة والمال شيئًا ذو قيمة؟؟؟
وما أدركته هو أنني أردت أن أصنع حياة أصيلة وأكثر إرضاءً لذاتي، كنت أتخيل القيام بالمزيد للعائلة، وتعلم مهارات جديدة، وعدم الاعتماد على الآخرين في كل شيء.
في تلك المرحلة من حياتي، لم أكن أستطيع الحفاظ على نباتات منزلي على قيد الحياة، أو الاهتمام بزراعة حديقتي، وكانت فكرتي عن الاستمتاع بوجبة عائلية لطيفة، هو مجرد الذهاب إلى مطعم في مكان ما.
وتستطرد إيمي في وصف حالتها في تلك الفترة فتذكر: كنت أفكر أن مصيري بالنهاية سيكون الوفاة دون أن أحقق شيء، وقد عرفت أن هناك القليل ممن لديهم الايمان، والاستعداد لأخذ قفزات شجاعة في الحياة.
قد يهمك: أصنعي رؤيتك بعد التقاعد

وكانت النقلة في حياة إيمي بعد هذا الحوار مع ذاتها، والتفكير بعمق حول ما سوف تفعله لاحقاً فتقول: هكذا بدأت الكثير من البحث، وتركت عقلي يفكر ويتساءل، وآمنت بفكرة أن كل شيء ممكن الحدوث، وكان هذا المفهوم وحده هو الذي حررني!
وقد أدركت أننا نحتاج إلى توفير مساحة، ووقت، في حياتنا لتعلم كيفية العيش بشكل مختلف.
وتشير إيمي إلى أنها قامت بمجموعة من الخطوات في سعيها نحو التغيير في حياتها بعد التقاعد فتقول: قضيت كل مساء لعدة أشهر، في القراءة، والتعلم، والتخطيط، والتنظيم.
وقد جاءت أول قفزة كبيرة في حياتي الجديدة، عندما انتقلنا إلى منزل قديم، وصغير، على قطعة أرض كبيرة خارج المدينة، حيث يمكنني أخيرًا أن أجرب حياة مختلفة عما اعتدته في السابق.
في المرحلة الأولى خضت عدة تجارب منها صناعة أوعية خشبية للزراعة الخارجية، وزرعنا بها (100) نوع من الخضروات والفواكه، ثم بنينا حظيرة للدجاج، وبعدها حصلنا على البيض الخاص بنا، ثم قمنا بتربية الأرانب، وبعدها بدأنا ببيع البيض والمنتجات الزراعية، بنهاية ذلك الصيف الأول، أدهشنا ما يمكن أن يحققه بعض سكان المدينة بقليل من البراعة، والكثير من الحماس.
قد يهمك: التدريب بعد التقاعد فرصة ذهبية وخيارات تعلم لانهائية

وتستطرد إيمي: لم يمض وقت طويل قبل أن يخطر ببالي، أنه مع وجود مساحة أكبر، يمكننا تحقيق المزيد، لذلك ذهبنا بحثنا عن مزرعة صغيرة لشرائها ثم انتقلنا تدريجياً إلى هذه المزرعة الرائعة، والتي لا تبعد كثيراً عن المدينة، وفي كل ليلة نستمتع بمنظر النجوم الجميلة، والحقول الرائعة تحيط بنا، وبعد انتقالنا عاش الأطفال حرية أكبر، وسعادة أكثر وفي صحة أفضل، يلعبون ويمرحون، بين الزروع والنباتات.
فنحن نعيش بين أحضان الطبيعة محاطين بـ (100) فدان من الجمال و الهدوء والسكينة، والممر الرئيسي في المزرعة يشبه مدرج هبوط طائرات بطول (1000) قدم.
وفي كل ليلة نستمتع بالجلوس في الخارج حول النار، وتبادل الحوار مع الأصدقاء القدامى والجدد، ومشاركة عدد لا يحصى من القصص المضحكة، حول تعلم الأشياء بالطريقة الصعبة، وعيش الحياة البسيطة.
وفي مزرعتنا أعتدنا على تناول الطعام الصحي الطبيعي، الذي نزرعه بأيدينا، ولحوم الحيوانات التي يتم تربيتها بشكل صحيح، وأصبحنا نعيش في مكان يتمتع بالهواء النقي، والمياه النظيفة، والحقول الخضراء، والمنتجات الطبيعية الخالية من الإضافات الصناعية.
والأهم من ذلك كله، أننا أصبحنا نشارك معرفتنا، وخبرتنا مع الآخرين، ونعلمهم كيف يتذوقون طعم حياة المزرعة.
قد يهمك: أحزمي خبراتك وقدميها للآخرين بعد تقاعدك

خطوات بديلة للتواصل مع الطبيعية
وبعد أن استعرضت معك قصي إيمي وكيفية انتقالها من المدينة إلى الريف، وتحولها من مديرة إلى مزارعة، ربما تتساءلين عن صعوبة القيام بذلك، وإنك قد لا تستطيعين اتخاذ خطوة مشابهة لها، وترك منزلك والانتقال للعيش في مزرعة، من أجل الاستمتاع بالطبيعة والنباتات والزراعة، في هذه الحالة أقترح عليك القيام بعدة خطوات بديلة وهي:
- تعلم الزراعة كهواية ثم تحويلها إلى مشروع مشتل خاص، أو محل لبيع النباتات، أو العمل في شركة زراعية، أو مشتل بنظام دوام العمل الجزئي .
- التطوع للعمل في حديقة عامة، أو مزرعة، أو مع أحد المجموعات البيئية التطوعية المهتمة بالزراعة والتشجير.
- الذهاب يومياً أو أسبوعياً للمشي في أحد الحدائق العامة، والجلوس للمتع بمنظر الأشجار، والمسطحات الخضراء.
- إقامة حديقة أمام منزلك، والاستفادة منها في زراعة بعض الخضروات أو الأشجار المثمرة، مع إمكانية إضافة شلال صغير؛ من أجل إضفاء لمسة جمالية وطبيعية.
- بناء مشتل صغير في فناء المنزل، واستغلاله في تربية بعض النباتات أو الزهور.
- استغلال سطح المنزل في إنشاء حديقة علوية أو مزرعة صغيرة، مع إمكانية وضع نافورة وأماكن للجلوس.
- في حالة إقامتك في منزل صغير أو شقة، وبالتالي عدم توفر مساحة كبيرة لديك، بإمكانك الاستفادة من البلكونة، وتعليق بعض أوعية النباتات الصغيرة.
ولا تنسي أن تضعي كرسي وطاولة صغيرة في المكان؛ ليكون ملاذك الخاص للتأمل، والقراءة، والاستمتاع بالطبيعة في الهواء الطلق.
8 آراء حول “أهربي إلى الطبيعة بعد التقاعد وأطلقي مشروعك الزراعي”